في زمنٍ أصبحت فيه الكلمات تُلقى بلا حساب، والصوت العالي يُعتبر دليل قوة، أجدني أتساءل: أين ذهب سلاح العقل؟ وأين اختفت قوة الصمت؟ لقد تعلمت من الحياة أن الكلمات الهادئة هي التي تترك أثرًا، وأن الصمت هو أحيانًا أقوى ردّ على الجهل والغضب.
يقولون إن الصمت ضعف، ولكنني أرى أن الصمت قوة. قوة تمنحك الوقت لتفكر قبل أن تتكلم، وتختار كلماتك بعناية. الصمت هو اللغة التي يفهمها العقلاء، وهو السلاح الذي لا يُهزم. فكم من كلمةٍ أُلقيت بغضب دمرت علاقات، وكم من صمتٍ حكيم أنقذ مواقف.
أما التسامح، فهو ليس مجرد كلمة نرددها، بل هو فعلٌ يتطلب شجاعةً كبيرة. التسامح يعني أن ترفض أن تكون أسيرًا للكراهية، وأن تختار أن تعيش بقلبٍ خفيفٍ من أعباء الحقد. التسامح هو انتصار على الذات، وهو اعتراف بأننا بشرٌ نخطئ ونصيب، وأن الخطأ جزء من طبيعتنا.
لكن التسامح لا يعني التنازل عن الحقوق أو السماح بالإهانة. بل هو اختيار أن لا ندع الغضب يتحكم فينا، وأن نعيش بسلام داخلي. فالحياة قصيرةٌ جدًا لنضيعها في حمل الضغائن.
وفي النهاية، أذكر نفسي وإياكم بأننا لسنا ملزمين بإسعاد كل الناس، ولكننا ملزمون بعدم إيذاء أحد. لنحاول دائمًا أن نرفع كلماتنا بدلًا من أصواتنا، وأن نختار الحكمة بدلًا من الانفعال. فكما أن المطر هو الذي ينبت الورد وليس الرعد، فإن الكلمات الطيبة هي التي تبني العلاقات وليس الصراخ.
لنكن مثل المطر، ننشر الخير حيثما نذهب، ولنكن مثل الصمت، نعرف متى نتكلم ومتى نصمت. ولنكن مثل التسامح، نختار أن نعيش بقلوبٍ خفيفةٍ من الحقد. فالحياة أجمل بكثير عندما نعيشها بحكمة العقل، وليس بثرثرة اللسان.